سورة آل عمران - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هذا متصل بالأول من قول اليهود بعضهم لبعض {وَلا تُؤْمِنُوا} أي لا تصدقوا {إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وافق ملتكم واللام في {لمن} صلة، أي لا تصدقوا إلا من تبع دينكم اليهودية كقوله تعالى: {قل عسى أن يكون ردف لكم} [72- النحل] أي: ردفكم. {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} هذا خبر من الله عز وجل أن البيان بيانه ثم اختلفوا: فمنهم من قال: كلام معترض بين كلامين، وما بعده متصل بالكلام الأول، إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعناه: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب والحكمة والآيات من المنِّ والسلوى وفَلْق البحر وغيرها من الكرامات. ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم عند ربكم لأنكم أصح دينًا منهم. وهذا معنى قول مجاهد.
وقيل: إن اليهود قالت لسفلتهم {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} من العلم أي: لئلا يؤتى أحد، ولا فيه مضمرة، كقوله تعالى: {يبيِّن الله لكم أن تضلوا} [النساء- 176] أي: لئلا تضلوا، يقول: لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم، ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا: عرفتم أن ديننا حق، وهذا معنى قول ابن جريج.
وقرأ الحسن والأعمش {إنْ يُؤْتَى} بكسر الألف، فيكون قول اليهود تامًا عند قوله: {إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وما بعده من قول الله تعالى يقول: قل يا محمد {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى} أن بمعنى الجحد، أي ما يؤتي أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} يعني: إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا: نحن أفضل منكم، فقوله عز وجل: {عِنْدَ رَبِّكُمْ} أي عند فضل ربكم بكم ذلك، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل. وقال الفراء: ويجوز أن يكون أو بمعنى حتى كما يقال: تعلق به أو يعطيك حقك أي حتى يعطيك حقك، ومعنى الآية: ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم.
وقرأ ابن كثير {آنْ يُؤْتَى} بالمد على الاستفهام وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به، هذا قول قتادة والربيع وقالا هذا من قول الله تعالى يقول: قل لهم يا محمد {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} بأن أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيًا حسدتموه وكفرتم به.
{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللَّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين وتكون أو بمعنى أن لأنهما حرفا شرط وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر أي وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم فقل يا محمد: إن الهدى هدى الله ونحن عليه، ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين، ويكون نظم الآية: أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤكمنين حسدوكم فقل {إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} وإن حاجوكم {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}.
ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقوله تعالى: {وَلا تُؤْمِنُوا} كلام الله يثبِّت به قلوب المؤمنين لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم، يقول لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم أو يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله، و{إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} فتكون الآية كلها خطاب الله للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا.


قوله تعالى: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ} أي بنبوته {مَنْ يَشَاء وَاللَّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} الآية نزلت في اليهود أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة، والقنطار عبارة عن المال الكثير، والدينار عبارة عن المال القليل، يقول: منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت قال مقاتل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} هم مؤمنوا أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأصحابه، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يعني: كفار اليهود، ككعب بن الأشرف وأصحابه، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يعني: عبد الله بن سلام، أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأدَّاها إليه، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يعني: فنحاص بن عازُورَاء، استودعه رجل من قريش دينارا فخانه، قوله: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة {يُؤَدِّهْ} {لا يُؤدهْ} و{نُصْلهْ} و{نُؤتِهْ} و{نُولِّهْ} ساكنة الهاء وقرأ أبو جعفر وقالون ويعقوب بالاختلاس كسرا، والباقون بالإشباع كسرا، فمن سكن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهبة، ومن اختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء، ومن أشبع فعلى الأصل، لأن الأصل في الهاء الإشباع، {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} قال ابن عباس مُلِحًّا يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح، وقال الضحاك: مواظبًا أي تواظب عليه بالاقتضاء، وقيل: أراد أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على رأسه ولم تفارقه ردّه إليك، فإن فارقته وأخرته أنكره ولم يؤدهِ {ذَلِكَ} أي: ذلك الاستحلال والخيانة، {بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} أي: في مال العرب إثم وحَرَجَ كقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وذلك أن اليهود قالوا: أموال العرب حلال لنا، لأنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم.
وقال الكلبي: قالت اليهود إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب منها فهو لنا وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم.
وقال الحسن وابن جريج ومقاتل: بايع اليهود رجالا من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حق، ولا عندنا قضاء لأنكم تركتم دينكم، وانقطع العهد بيننا وبينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم فكذبهم الله عز وجل وقال عز من قائل: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ثم قال ردا عليهم:


{بَلَى} أي: ليس كما قالوا بل عليهم سبيل، ثم ابتدأ فقال: {مَنْ أَوْفَى} أي: ولكن من أوفى {بِعَهْدِهِ} أي: بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة، وقيل: الهاء في عهده راجعة إلى الموفي {وَاتَّقَى} الكفر والخيانة ونقض العهد، {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبّ الْمُتَّقِينَ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا قبيصة بن عقبة، أنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مُرّة عن مسروق عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خَصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17