قوله تعالى: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هذا متصل بالأول من قول اليهود بعضهم لبعض {وَلا تُؤْمِنُوا} أي لا تصدقوا {إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وافق ملتكم واللام في {لمن} صلة، أي لا تصدقوا إلا من تبع دينكم اليهودية كقوله تعالى: {قل عسى أن يكون ردف لكم} [72- النحل] أي: ردفكم. {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} هذا خبر من الله عز وجل أن البيان بيانه ثم اختلفوا: فمنهم من قال: كلام معترض بين كلامين، وما بعده متصل بالكلام الأول، إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعناه: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب والحكمة والآيات من المنِّ والسلوى وفَلْق البحر وغيرها من الكرامات. ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم عند ربكم لأنكم أصح دينًا منهم. وهذا معنى قول مجاهد.وقيل: إن اليهود قالت لسفلتهم {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} من العلم أي: لئلا يؤتى أحد، ولا فيه مضمرة، كقوله تعالى: {يبيِّن الله لكم أن تضلوا} [النساء- 176] أي: لئلا تضلوا، يقول: لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم، ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا: عرفتم أن ديننا حق، وهذا معنى قول ابن جريج.وقرأ الحسن والأعمش {إنْ يُؤْتَى} بكسر الألف، فيكون قول اليهود تامًا عند قوله: {إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وما بعده من قول الله تعالى يقول: قل يا محمد {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى} أن بمعنى الجحد، أي ما يؤتي أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} يعني: إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا: نحن أفضل منكم، فقوله عز وجل: {عِنْدَ رَبِّكُمْ} أي عند فضل ربكم بكم ذلك، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل. وقال الفراء: ويجوز أن يكون أو بمعنى حتى كما يقال: تعلق به أو يعطيك حقك أي حتى يعطيك حقك، ومعنى الآية: ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم.وقرأ ابن كثير {آنْ يُؤْتَى} بالمد على الاستفهام وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به، هذا قول قتادة والربيع وقالا هذا من قول الله تعالى يقول: قل لهم يا محمد {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} بأن أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيًا حسدتموه وكفرتم به.{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللَّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين وتكون أو بمعنى أن لأنهما حرفا شرط وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر أي وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم فقل يا محمد: إن الهدى هدى الله ونحن عليه، ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين، ويكون نظم الآية: أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤكمنين حسدوكم فقل {إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} وإن حاجوكم {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}.ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقوله تعالى: {وَلا تُؤْمِنُوا} كلام الله يثبِّت به قلوب المؤمنين لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم، يقول لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم أو يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله، و{إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} فتكون الآية كلها خطاب الله للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا.